فصل: (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي شُرُوطٍ يَجِبُ اعْتِبَارُهَا فِي الْوَدِيعَةِ وَلَا يَجِبُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْبَابُ الثَّانِي فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ بِيَدِ الْغَيْرِ):

وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ زَوْجَتَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ وَالِدَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ، هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَقَالَ بَكْرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لِعِيَالِهِ أَنْ يَضَعَهَا عِنْدَ مَنْ فِي عِيَالِهِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ، وَتَفْسِيرُ مَنْ فِي عِيَالِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَنْ يُسَاكِنَ مَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفَقَتِهِ أَوْ لَا، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى.
وَهَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَالْعِبْرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ لِلْمُسَاكَنَةِ إلَّا فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالِابْنِ الصَّغِيرِ وَالْعَبْدِ، فَالِابْنُ الصَّغِيرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَدَفَعَ إلَيْهِ لَا يَضْمَنُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظ، وَالزَّوْجُ إذَا كَانَ يَسْكُنُ فِي مَحَلَّةٍ وَالْمَرْأَةُ تَسْكُنُ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا فَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالْعَبْدُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ الصَّغِيرِ، هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
الْمُودَعُ إذَا دَفَعَهَا إلَى عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً مُسَاكِنًا مَعَهُ أَوْ إلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَبِيهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
وَالِابْنُ الْكَبِيرُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَدَفَعَ إلَيْهِ ضَمِنَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالْأَبَوَانِ كَالْأَجْنَبِيِّ حَتَّى يَشْتَرِطَ كَوْنَهُمَا فِي عِيَالِهِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِيمَا إذَا أَوْدَعَ عِنْدَهُ شَيْئًا وَلَمْ يَنْهَهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ عَنْ حِفْظِهَا بِمَنْ فِي عِيَالِهِ، أَمَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَدَفَعَهَا إلَى بَعْضِ مَنْ نَهَاهُ عَنْهُ فَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمُودَعُ يَجِدُ بُدًّا مِمَّنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِد بُدًّا مِنْ ذَلِكَ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ وَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ، وَهَذَا كَمَا إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلٍ دَابَّةً وَنَهَاهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ فَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَيْهَا فَضَاعَتْ عِنْدَهَا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَيَضْمَنُ بِدَفْعِهَا إلَى مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ وَلَا يُسَاكِنُهُ وَيُسَمَّى (أجر خوار) وَالْأَجِيرُ الَّذِي يَعْمَلُ مِنْ الْأَعْمَالِ مُيَاوَمَةً، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْإِمَامُ الْحُلْوَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُودَعُ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَكِيلِهِ وَهُوَ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي مَالِهِ فَكَذَا فِي الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
سُوقِيٌّ قَامَ مِنْ الْحَانُوتِ لِلصَّلَاةِ وَفِي الْحَانُوتِ وَدَائِعُ فَضَاعَتْ الْوَدِيعَةُ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَانُوتِ؛ لِأَنَّهُ حَافِظٌ بِجِيرَانِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُضَيِّعًا وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْهُ إيدَاعًا لِلْوَدِيعَةِ بَلْ هُوَ حَافِظٌ بِنَفْسِهِ فِي حَانُوتِهِ وَحَانُوتُهُ مُحَرَّزٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَرِيكٍ لَهُ مُفَاوِضٍ أَوْ عِنَانٍ أَوْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ عَبْدٍ مُعْتَزِلٍ عَنْ مَنْزِلِهِ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَلِكَ الصَّيْرَفِيَّانِ إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فَوَضَعَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَدِيعَةً فَوَضَعَهَا فِي كِيسِهِ أَوْ فِي صُنْدُوقٍ وَأَمَرَ شَرِيكَهُ بِحِفْظِهَا فَحَمَلَ الْكِيسَ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ يَسْكُنُ مَعَهُمَا فَهُمَا فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
الْمُودَعُ إذَا خَافَ عَلَى الْوَدِيعَةِ الْغَرَقَ فَنَقَلَهَا إلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى لَمْ يَضْمَنْ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَإِنْ أَخْرَجَهَا عَنْ يَدِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي دَارِهِ فَخَافَ عَلَيْهَا الْحَرْقَ أَوْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ فِي سَفِينَةٍ فَلَحِقَهَا غَرَقٌ أَوْ خَرَجَ اللُّصُوصُ وَخَافَ عَلَيْهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ: إنْ أَحَاطَ الْحَرْقُ الْغَالِبُ بِدَارِهِ فَنَاوَلَهَا جَارًا لَهُ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَاطَ ضَمِنَ وَاشْتِرَاطُ هَذَا الشَّرْطِ فِي الْفَتَاوَى أَحَقُّ وَأَنْظُرْ، هَكَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ.
هَذَا إذَا كَانَ الدَّفْعُ لِضَرُورَةٍ، وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ فَهَلَكَتْ فِي يَدِ الثَّانِي إنْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَمَا فَارَقَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ فَالْأَوَّلُ ضَامِنٌ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَفِيهِ خِلَافٌ عَلَى قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فَإِنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ، هَكَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الثَّانِي الْوَدِيعَةَ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ وَيَكُونُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ رَجَعَ بِهَا عَلَى الثَّانِي، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ أَنَّهُ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى أَجْنَبِيٍّ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِهِ، ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنْ لَا يُصَدَّقَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَفِي الزَّادِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ احْتَرَقَ بَيْتُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّ مُودَعَ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِهِ، وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ وَلَا يَرْجِعَ عَلَى الْمُودَعِ بِمَا ضَمِنَ وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُودَعُ وَيَرْجِعَ الْمُودَعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْغَاصِب، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إذَا أَوْدَعَ عِنْدَ عَبْدٍ مَحْجُورٍ فَدَفَعَ الْعَبْدُ الْوَدِيعَةَ إلَى عَبْدٍ مِثْلِهِ فَهَلَكَتْ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُضَمِّنُ الْأَوَّلَ بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ يُضَمِّنُ الثَّانِيَ فِي الْحَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يُضَمَّنُ أَبَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ فِي الْحَالِ إنْ بَدَا الْعِتْقُ فِي الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ ثَالِثٍ مِثْلِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ فِي الْحَالِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمْ شَاءَ فِي الْحَالِ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
الْمُودَعُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْهَا حَتَّى هَلَكَتْ فِي يَدِهَا، هَلْ يَضْمَنُ؟ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِرْدَادُ كَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَدِيعَةِ الْأَصْلِ إذَا وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي دَارِ الْمُودَعِ فَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى أَجْنَبِيٍّ لَا يَضْمَنُ فَلَوْ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهَا حَتَّى هَلَكَتْ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ، كَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا وَهَكَذَا أَجَابَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ قَاضِي خَانْ: لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
فِي التَّجْرِيدِ: وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِاسْتِهْلَاكِهَا أَوْ بِنَقْصِهَا وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِ الْمُودِعِ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُودَعَ، وَفِي السِّغْنَاقِيِّ إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ فِي بَيْتِ الْمُودَعِ وَاسْتَحْفَظَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِهِ بِأَنْ تَرَكَ الْوَدِيعَةَ وَالْغَيْرُ فِي بَيْتِهِ وَخَرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
الْمُودَعُ إذَا حَفِظَ الْوَدِيعَةَ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ مَالُهُ يَضْمَنُ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ حِرْزًا لِنَفْسِهِ وَحَفِظَ فِيهِ الْوَدِيعَةَ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالُهُ، هَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِذَا دَفَعَ الْمُودَعُ عِنْدَ مَوْتِهِ الْوَدِيعَةَ إلَى جَارٍ لَهُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ عِنْدَ الْوَفَاةِ أَحَدٌ مِمَّنْ فِي عِيَالِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
الْمُودَعُ إذَا آجَرَ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ وَدَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى هَذَا الْمُسْتَأْجِرِ إنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَلَقٌ عَلَى حِدَةٍ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْخُلُ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ لَا يَضْمَنُ، هَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ تَرَكَ امْرَأَتَهُ أَوْ عَبْدَهُ فِي حَانُوتِهِ لَا يَضْمَنُ إنْ كَانَا أَمِينَيْنِ وَإِلَّا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَلَوْ أَجْلَسَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ فِي حَانُوتِهِ وَفِيهِ وَدَائِعُ فَسُرِقَتْ ثُمَّ وَجَدَ الْمَوْلَى بَعْضَهَا فِي يَدَيْ عَبْدِهِ وَقَدْ أَتْلَفَ الْبَعْضَ فَبَاعَ الْمَوْلَى الْغُلَامَ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُودَعِ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ وَبَاعَهُ فِي دَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ مَوْلَاهُ عَلَى عِلْمِهِ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنْ نَكَلَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي كَانَ هَذَا وَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ سَوَاءٌ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ بَلْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ مِنْ الْمَوْلَى، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
الْوَالِي إذَا جَنَى نَفَقَةً لِحَفْرِ النَّهْرِ وَوَضَعَهُ عِنْدَ صَيْرَفِيٍّ فَضَاعَ إنْ وَضَعَ بِاسْمِ حَفْرِ النَّهْرِ أَوْ بِاسْمِ الْوَالِي ضَاعَ مِنْ مَالِ الْجَمِيعِ، وَإِنْ وَضَعَ بِاسْمِ الرَّجُلِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ ضَاعَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ خَاصَّةً، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي شُرُوطٍ يَجِبُ اعْتِبَارُهَا فِي الْوَدِيعَةِ وَلَا يَجِبُ):

وَإِنْ قَالَ: احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ، فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: ضَعْهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا تَضَعْهُ فِي هَذَا الْآخَرِ، وَالْبَيْتَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْتُ الَّذِي حَفِظَهَا فِيهِ أَنْقَصُ حِرْزًا مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ فِيهِ.
أَمَّا لَوْ كَانَ الْبَيْتُ الثَّانِي أَنْقَصَ حِرْزًا مِنْ الْأَوَّلِ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ: ضَعْهَا فِي كِيسِكَ هَذَا، فَوَضَعَهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنْ قَالَ: ضَعْهَا فِي كِيسِكَ، فَوَضَعَهَا فِي الصُّنْدُوقِ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ: احْفَظْهَا فِي كِيسِكَ وَلَا تَحْفَظْهَا فِي صُنْدُوقِكَ، أَوْ قَالَ: احْفَظْهَا فِي صُنْدُوقٍ وَلَا تَحْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ، فَحَفِظَ فِي الْبَيْتِ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي شَرْح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ.
وَإِنْ قَالَ: خَبِّئْهَا فِي هَذِهِ، فَخَبَّأَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَحْرَزَ مِنْ الْأُولَى، هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: خَبْئِهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ وَلَا تُخَبِّئْهَا فِي دَارٍ أُخْرَى فَخَبَّأَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي خَبَّأَهَا فِيهَا وَالدَّارُ الْأُخْرَى فِي الْحِرْزِ عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ كَانَتْ الَّتِي خَبَّأَهَا فِيهَا أَحْرَزَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ نَهَاهُ عَنْ الْخَبْءِ فِيهَا أَوْ لَمْ يَنْهَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ قَالَ: احْفَظْهَا فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَلَا تَحْفَظْهَا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، فَحَفِظَهَا فِي الْبَلْدَةِ الْمَنْهِيَّةِ ضَمِنَ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ قَالَ: احْفَظْهَا فِي صُنْدُوقِكَ هَذَا وَلَا تَحْفَظْهَا فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ الْآخَرِ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَحَفِظَهَا فِي الْمَنْهِيِّ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ.
وَالْأَصْلُ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ تُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ وَيُفِيدُ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ، وَكُلُّ شَرْطٍ لَا تُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ وَلَا يُفِيدُ فَهُوَ هَدَرٌ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
فَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهَا بِيَدِهِ وَلَا يَضَعَهَا أَوْ يَحْفَظَهَا بِيَمِينِهِ دُونَ يَسَارِهِ أَوْ يَنْظُرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى دُونَ الْيُسْرَى أَوْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْكُوفَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْهَا أَوْ يَحْفَظُهَا فِي صُنْدُوقٍ فِي بَيْتٍ لَمْ يُعْتَبَرْ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
إذَا لَمْ يُعَيِّنْ مَكَانَ الْحِفْظِ أَوْ لَمْ يَنْهَ عَنْ الْإِخْرَاجِ نَصًّا بَلْ أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ مُطْلَقًا فَسَافَرَ بِهَا، فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ آمِنًا وَلَا حِمْلَ لَهَا وَلَا مُؤْنَةَ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُودَعُ مُضْطَرًّا فِي الْمُسَافَرَةِ بِهَا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنْ الْمُسَافَرَةِ بِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ فِيهِ أَوْ بَعُدَتْ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ بَعُدَتْ يَضْمَنُ، وَإِنْ قَرُبَتْ لَا، هَذَا هُوَ الْمُخْلَصُ وَالْمُخْتَارُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْهَ عَنْهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ مَكَانَ الْحِفْظِ نَصًّا، وَإِنْ نَهَاهُ نَصًّا وَعَيَّنَ مَكَانَهُ فَسَافَرَ بِهَا وَلَهُ مِنْهُ بُدٌّ ضَمِنَ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
إنْ أَمْكَنَهُ حِفْظُ الْوَدِيعَةِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي أُمِرَ بِالْحِفْظِ فِيهَا مَعَ السَّفَرِ بِأَنْ يَتْرُكَ عَبْدًا لَهُ فِي الْمِصْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ بَعْضَ مَنْ فِي عِيَالِهِ، فَإِذَا سَافَرَ بِهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ أَوْ كَانَ، إلَّا أَنَّهُ احْتَاجَ إلَى نَقْلِ الْعِيَالِ فَسَافَرَ فَلَا ضَمَانَ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
الْوَدِيعَةُ لَوْ كَانَتْ طَعَامًا كَثِيرًا فَسَافَرَ بِهَا فَهَلَكَ الطَّعَامُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ الْوَدِيعَةِ فِي الْبَحْرِ يَضْمَنُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ سَافَرَ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَهَلَكَ لَا يَضْمَنَانِ إلَّا إذَا تَرَكَا زَوْجَتَيْهِمَا هَهُنَا، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ إذَا سَافَرَ بِهِ لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَإِنْ كَانَ ضَمِنَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجَلُ إلَى غَيْرِهِ وَدِيعَةً، وَقَالَ لَهُ: لَا تَدْفَعْهَا إلَى امْرَأَتِكَ فَإِنَى أَتَّهِمُهَا، أَوْ قَالَ: إلَى ابْنِكَ، أَوْ قَالَ: إلَى عَبْدِكَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَدَفَعَ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ الْمُودَعُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ سِوَاهُ لَمْ يَضْمَنْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
الْمُودَعُ إذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي حَانُوتِهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا: لَا تَضَعْ فِي الْحَانُوتِ فَإِنَّهُ مَخُوفٌ فَتَرَكَهَا فِيهِ حَتَّى سُرِقَتْ لَيْلًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ أَحْرَزُ مِنْ الْحَانُوتِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ أَحْرَزُ مِنْ الْحَانُوتِ فَهُوَ ضَامِنٌ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحِمْلِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى آخَرَ مَرًّا، وَقَالَ لَهُ: اسْقِ بِهِ أَرْضِي وَلَا تَسْقِ بِهِ أَرْضَ غَيْرِي فَسَقَى أَرْضَ الْآمِرِ ثُمَّ سَقَى أَرْضَ الْغَيْرِ فَضَاعَ الْمَرُّ إنْ ضَاعَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ السَّقْيِ الثَّانِي ضَمِنَ، وَإِنْ ضَاعَ بَعْدَمَا فَرَغَ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
امْرَأَةٌ قَالَتْ لِأَكَّارِهَا لَا تَطْرَحْ أَنْزَالِي فِي مَنْزِلِكَ فَوَضَعَ الْأَكَّارُ فِي مَنْزِلِهِ فَجَنَى الْأَكَّارُ جِنَايَةً وَهَرَبَ فَرَفَعَ السُّلْطَانُ مَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ، قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْبَيْدَرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَكَّارِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّا إذَا قَالَ الْمُبْضِعُ لِلتَّاجِرِ ضَعْهَا فِي هَذَا الْعِدْلِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فَوَضَعَهَا فِي الْحَقِيبَةِ، قَالَ: ضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ ضَعْهَا فِي الْجُوَالِقِ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ فَوَضَعَهَا فِي الْحَقِيبَةِ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
الْمُودِعُ إذَا شَرَطَ الْأُجْرَةَ لِلْمُودَعِ عَلَى حِفْظِ الْوَدِيعَةِ صَحَّ وَلَزِمَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَلَوْ أَوْدَعَ غَاصِبُ الْمَغْصُوبِ عِنْدَ رَجُلٍ وَشَرَطَ الْأَجْرَ عَلَى حِفْظِهِ يَصِحُّ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الرَّابِعُ فِيمَا يَكُونُ تَضْيِيعًا لِلْوَدِيعَةِ وَمَا لَا يَكُونُ وَمَا يَضْمَنُ بِهِ الْمُودَعُ وَمَا لَا يَضْمَنُ):

فِي النَّوَازِلِ إذَا قَالَ الْمُودَعُ: سَقَطَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ (بيفتادا زَمَنْ) لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ قَالَ: أَسْقَطْتُ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ (بيفكندم) ضَمِنَ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ لَا يَضْمَنُ بِالْإِسْقَاطِ إذَا لَمْ يَتْرُكْ الْوَدِيعَةَ وَلَمْ يَذْهَبْ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَضَاعَتْ أَوْ لَمْ تَضِعْ، لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَضَعْتُهَا أَوْ لَمْ أُضِعْ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
رَجُلٌ دَفَعَ إلَى دَلَّالٍ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ، ثُمَّ قَالَ الدَّلَّالُ: وَقَعَ الثَّوْبُ مِنْ يَدَيَّ وَضَاعَ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ضَاعَ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: نَسِيتُ وَلَا أَدْرِي فِي أَيِّ حَانُوتٍ وَضَعْتُ، يَكُونُ ضَامِنًا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْفَتَاوَى سُئِلَ ابْنُ الْفَضْلِ عَمَّنْ دَفَعَ جَوَاهِرَ إلَى رَجُلٍ لِيَبِيعَهَا، فَقَالَ الْقَابِضُ: أَنَا أُرِيهَا تَاجِرًا لِأَعْرِفَ قِيمَتَهَا فَضَاعَتْ الْجَوَاهِرُ قَبْلَ أَنْ يُرِيَهَا، قَالَ: إنْ ضَاعَتْ أَوْ سَقَطَتْ بِحَرَكَتِهِ ضَمِنَ، وَإِنْ سُرِقَتْ مِنْهُ أَوْ سَقَطَتْ لِمُزَاحَمَةٍ أَصَابَتْهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
قَالَ: لَوْ قَالَ الْمُودَعُ: وَضَعْتُ الْوَدِيعَةَ بَيْنَ يَدَيَّ فَقُمْتُ وَنَسِيتُهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَبِهِ يُفْتَى، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَلَوْ قَالَ وَضَعْتُ بَيْنَ يَدَيَّ فِي دَارِي ثُمَّ قُمْتُ وَنَسِيتُهَا فَضَاعَتْ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مَالًا يُحْفَظُ فِي عَرْصَةِ الدَّارِ وَلَا تُعَدُّ حِرْزًا لَهُ كَصُرَّةِ الدَّرَاهِمِ وَالذَّهَبِ وَنَحْوِهِمَا يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
إذَا قَالَ: دُفِنَتْ فِي دَارِي أَوْ كَرْمِي وَنَسِيتُ مَكَانَهَا لَمْ يَضْمَنْ إذَا كَانَ لِلدَّارِ وَالْكَرْمِ بَابٌ، وَلَوْ قَالَ: دُفِنَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَنَسِيتُ مَكَانَهَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَكَانَ الدَّفْنَ لَكِنَّهُ قَالَ: سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْمَكَانِ الْمَدْفُونِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لِلدَّارِ وَالْكَرْمِ بَابٌ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَابٌ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي وَضَعْتُ فِي دَارِي أَوْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
سَلَّمَ الْمُودَعُ الدَّارَ الَّتِي فِي بَيْتٍ مِنْهَا الْوَدِيعَةَ إلَى آخَرَ لِحِفْظِهَا إنْ كَانَتْ الْوَدَائِعُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ حَصِينٍ لَا يُمْكِنُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَدْفُونَةً إنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً فِي مَوْضِعٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا بِاسْتِئْذَانٍ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي دَارِهِ وَيَدْخُلُهَا أُنَاسٌ كَثِيرَةٌ فَضَاعَتْ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُحْفَظُ فِي الدَّارِ مَعَ دُخُولِهِمْ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
الْمُودَعُ إذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي الْجَبَّانَةِ فَسُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ ضَمِنَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
دَفَنَ فِي أَرْضٍ إنْ عَلَّمَ بِعَلَامَةٍ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَفِي الْمَفَازَةِ يَضْمَنُ بِكُلِّ حَالٍ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَلَوْ تَوَجَّهَتْ اللُّصُوصُ نَحْوَ الْمُودَعِ فَدَفَنَ الْوَدِيعَةَ حَتَّى لَا تُؤْخَذَ مِنْ يَدِهِ وَفَرَّ مِنْ خَوْفِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يَظْفَرْ بِالْمَكَانِ الَّذِي دَفَنَ الْوَدِيعَةَ فِيهِ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ عَلَامَةً فَلَمْ يَجْعَلْ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ فِي أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْخَوْفِ فَلَمْ يَعُدْ ثَمَّ جَاءَ وَلَمْ يَجِدْ الْوَدِيعَةَ كَانَ ضَامِنًا، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ مَعَهُ يَذْهَبَانِ جُمْلَةً فَلَمَّا تَوَجَّهَتْ السُّرَّاقُ، قَالَ لَهُ رَبُّ الْوَدِيعَةِ: ادْفِنْهَا، فَدَفَنَهَا ثُمَّ ذَهَبَ السُّرَّاقُ وَذَهَبُوا أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ ذَهَبُوا أَوَّلًا ثُمَّ ذَهَبَ السُّرَّاقُ ثُمَّ حَضَرُوا فَلَمْ يَجِدْ الْمَدْفُونَ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُودَعَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَيْثُ دَفَنَ بِأَمْرِ الْمَالِكِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُودَعُ وَحْدَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْجَوَابُ فِيهَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ ذَهَبَ السُّرَّاقُ أَوَّلًا وَتَمَكَّنَ الْمُودَعُ مِنْ رَفْعِ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ يَرْفَعْهَا وَتَرَكَ ثَمَّةَ مَعَ الْإِمْكَانِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَأَمَّا إذَا مَكَثَ السُّرَّاقُ ثَمَّةَ وَلَمْ يُمْكِنْ الْقَرَارُ ثَمَّةَ لِخَوْفِهِمْ فَذَهَبَ ثُمَّ جَاءَ فَلَمْ يَجِدْ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ جَاءَ عَلَى قَدْرِ مَا أَمْكَنَهُ وَزَالَ الْخَوْفُ فَلَمْ يَجِدْ لَا يَكُونُ ضَامِنًا، وَإِنْ أَخَّرَ مَعَ الْإِمْكَانِ كَانَ ضَامِنًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الْمُودَعُ إذَا وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي بَيْتٍ خَرَابٍ فِي زَمَانِ الْفِتْنَةِ، فَإِنْ وَضَعَهَا عَلَى الْأَرْضِ يَضْمَنُ، وَإِنْ جَعَلَهَا تَحْتَ التُّرَابِ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
أَوْدَعَ عِنْدَ آخَرَ قُمْقُمَةً ثُمَّ طَلَبَهَا مِنْهُ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي كَيْفَ ضَاعَتْ، قِيلَ: لَا يَضْمَنُ، هُوَ الْأَصَحُّ، هَكَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
دَفَعَ إلَى رَجُلٍ قُمْقُمَةً لِيَدْفَعَهَا إلَى إنْسَانٍ لِيُصْلِحَهَا فَدَفَعَهَا وَنَسِيَ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
دَفَعَ إلَى مُرَاهِقٍ قُمْقُمَةً لِيَسْقِيَ الْمَاءَ فَتَغَافَلَ عَنْهَا فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
قَالَ خَلَفٌ: سَأَلْتُ أَسَدًا عَمَّنْ لَهُ عَلَى آخَرَ دِرْهَمٌ فَدَفَعَ الْمَطْلُوبُ إلَى الطَّالِبِ دِرْهَمَيْنِ أَوْ دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُمَا، وَقَالَ: خُذْ دِرْهَمَكَ فَضَاعَ الدِّرْهَمَانِ قَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَ دِرْهَمًا، قَالَ هَلَكَ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَلِلطَّالِبِ دِرْهَمُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ: هَذَا حَقُّكَ فَهُوَ مُسْتَوْفٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلدِّرْهَمِ الْآخَرِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
فِي غَصْبِ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَفَعَ إلَى آخَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: خَمْسَةٌ مِنْهَا هِبَةٌ لَكَ وَخَمْسَةٌ وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ فَاسْتَهْلَكَ الْقَابِضُ مِنْهَا خَمْسَةً وَهَلَكَتْ الْخَمْسَةُ الْبَاقِيَةُ يَضْمَنُ سَبْعَةً وَنِصْفًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا هِبَةُ الْمُشَاعِ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ فَالْخَمْسَةُ الَّتِي هَلَكَتْ نِصْفُهَا أَمَانَةٌ وَنِصْفُهَا مَضْمُونٌ فَيَجِبُ ضَمَانُ نِصْفِهَا وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَالْخَمْسَةُ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا كُلَّهَا صَارَتْ مَضْمُونَةً بِالِاسْتِهْلَاكِ فَيَضْمَنُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ وَنِصْفًا، وَلَوْ قَالَ: ثَلَاثَةٌ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لَكَ وَالسَّبْعَةُ الْبَاقِيَةُ سَلِّمْهَا إلَى فُلَانٍ فَهَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ هِبَةً فَاسِدَةً، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَصِيَّةً مِنْ الْمَيِّتِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ وَصِيَّةَ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ، وَلَا يَضْمَنُ السَّبْعَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةً، وَقَالَ: خَمْسَةٌ مِنْهَا لَكَ وَخَمْسَةٌ سَلِّمْهَا إلَى فُلَانٍ فَهَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ، يَضْمَنُ الْخَمْسَةَ الْهِبَةَ وَلَا يَضْمَنُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ، وَلَوْ أَعْطَاهَا خَمْسَةً خَمْسَةً عَلَى حِدَةٍ عَلَى أَنَّ لَهُ خَمْسَةً مِنْهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّهُمَا فَخَلَطَهُمَا الْقَابِضُ يَضْمَنُ الْخَمْسَةَ الْهِبَةَ وَلَا يَضْمَنُ كُلَّهَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
الْوَدِيعَةُ إذَا أَفْسَدَتْهَا الْفَأْرَةُ وَقَدْ اطَّلَعَ الْمُودَعُ عَلَى ثُقْبِ الْفَأْرَةِ إنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهَا أَنَّ هَهُنَا ثَقْبُ الْفَأْرَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ بَعْدَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسُدَّهُ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَذَكَرَ السَّيِّدُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اسْتَوْدَعَ عِنْدَهُ مَا يَقَعُ فِيهِ السُّوسُ فِي زَمَانِ الصَّيْفِ فَلَمْ يُبَرِّدْهَا بِالْهَوَاءِ حَتَّى وَقَعَ فِيهِ السُّوسُ وَفَسَدَ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ، وَصَاحِبُ الْوَدِيعَةِ غَائِبٌ، فَإِنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَبِيعَهُ جَازَ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ حَتَّى فَسَدَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ بَاعَهَا وَحَفِظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
إذَا أَصَابَهُ بَخْسٌ أَوْ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
لَوْ اجْتَمَعَتْ أَلْبَانُ الْوَدِيعَةِ أَوْ ثَمَرَتُهَا فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى فَسَدَتْ أَوْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ وَلَمْ يَبِعْ حَتَّى فَسَدَتْ لَا يَضْمَنُ، هَكَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
أَوْدَعَهُ حَيَوَانَاتٍ وَغَابَ فَحَلَبَ أَلْبَانَهَا فَخَافَ فَسَادَهَا وَهُوَ فِي الْمِصْرِ فَبَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي ضَمِنَ وَبِأَمْرِهِ لَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمَفَازَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
الْخَفَّافُ إذَا تَرَكَ الْخُفَّ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِ لِيُصْلِحَهُ فِي الْحَانُوتِ فَسُرِقَ لَيْلًا إنْ كَانَ فِيهِ حَافِظٌ أَوْ فِي السُّوقِ حَارِسٌ لَا يَضْمَنُ، وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفْتِي بِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَافِظٌ وَلَا فِي السُّوقِ حَارِسٌ وَقَدْ قِيلَ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ إنْ كَانُوا يَتْرُكُونَ الْحَوَانِيتِ مِنْ غَيْرِ حَافِظٍ وَلَا حَارِسٍ هُنَاكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ ضَمِنَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ قِيلَ لَوْ تَرَكَ بَابَ الدُّكَّانِ مَفْتُوحًا وَكَانَ فِي مَوْضِعِ ذَلِكَ عُرْفُهُمْ وَعَادَتُهُمْ لَا ضَمَانَ، وَفِي بُخَارَى جَرَى الْعُرْفُ بِتَرْكِ بَابِ الدُّكَّانِ مَفْتُوحًا بِالْيَوْمِ وَتَعْلِيقِ شَيْءٍ عَلَى بَابِ الدُّكَّانِ نَحْوِ الشَّبَكَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَالرِّوَايَةُ مَحْفُوظَةٌ فِيمَا إذَا تَرَكَ الْحَائِكُ الثَّوْبَ الَّذِي نَسَجَ بَعْضَهُ وَالْغَزْلَ فِي بَيْتِ الطَّرَّازِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَافِظٌ وَلَا حَارِسٌ فِي السُّوقِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَائِكِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
خَفَّافٌ خَرَجَ إلَى الْقُرَى لِخَرْزِ الْخِفَافِ فَدُفِعَ إلَيْهِ خُفٌّ فَوَضَعَهُ مَعَ رَحْلِهِ فِي دَارِ رَجُلٍ وَدَخَلَ الْبَلَدَ فَسُرِقَ، فَإِنْ كَانَ اتَّخَذَ دَارًا لِلسُّكْنَى بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ وَضَعَ فِي دَارِ رَجُلٍ لَا يَسْكُنُ هُوَ فِي تِلْكَ الدَّارِ ضَمِنَ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
الْإِسْكَافُ إذَا أَخَذَ خُفًّا أَوْ جُشْكًا لِيُصْلِحَهُ فَلَبِسَهُ الْإِسْكَافُ ضَمِنَ مَا دَامَ لَابِسًا، فَإِذَا نَزَعَهُمَا ثُمَّ ضَاعَ لَا، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
إذَا سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ دَارِ الْمُودَعِ وَبَابُ الدَّارِ مَفْتُوحٌ وَالْمُودَعُ غَائِبٌ عَنْ الدَّارِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ ضَامِنًا، قِيلَ: لَوْ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ دَخَلَ كَرْمَهُ أَوْ بُسْتَانَه وَهُوَ مُتَلَازِقٌ بِالدَّارِ، قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ وَلَا فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ الْحِسَّ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إذَا لَمْ يَكُنْ أَغْلَقَ الْبَابَ فَسُرِقَ مِنْهُ الْوَدِيعَةُ لَا يَضْمَنُ، يَعْنِي إذَا كَانَ فِي الدَّارِ حَافِظٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا رَبَطَ دَابَّةَ الْوَدِيعَةِ عَلَى بَابِ دَارِهِ تَرَكَهَا وَدَخَلَ الدَّارَ فَضَاعَتْ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهَا فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقُرَى فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ رَبَطَهَا فِي الْكَرْمِ أَوْ عَلَى رَأْسِ الْمَبْطَخَةِ وَذَهَبَ قِيلَ: إنْ غَابَتْ عَنْ بَصَرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي هَذَا وَأَجْنَاسِهِ هَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ جَعَلَ حِمَارَ الْوَدِيعَةِ فِي الْكَرْمِ إنْ كَانَ لِلْكَرْمِ حَائِطٌ رَفِيعٌ بِحَيْثُ لَا يَرَى الْمَارُّ مَا فِي الْكَرْمِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَائِطٌ أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ غَيْرُ رَفِيعٍ يُنْظَرُ إنْ نَامَ الْمُودَعُ وَوَضَعَ جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ يَضْمَنُ إنْ ضَاعَتْ الدَّابَّةُ، وَإِنْ نَامَ قَاعِدًا لَا يَضْمَنُ، وَفِي السَّفَرِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
أَوْدَعَهُ سِكِّينًا فَجَعَلَهَا فِي سَاقِ خُفِّهِ لَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْحِفْظِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
الْمُودَعُ إذَا جَعَلَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ فِي الْخُفِّ فَسَقَطَتْ عَنْهُ إنْ جَعَلَهَا فِي الْخُفِّ الْيُمْنَى فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ جَعَلَهَا فِي الْخُفِّ الْيُسْرَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى جَعَلَهَا فِي الْخُفِّ الْيُمْنَى فَقَدْ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ وَالسُّقُوطِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا جَعَلَهَا فِي الْخُفِّ الْيُسْرَى، وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
إذَا رَبَطَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ فِي طَرَفِ كُمِّهِ أَوْ جَعَلَهَا فِي الذَّيْلِ أَوْ فِي طَرَفِ الْعِمَامَةِ فَلَا ضَمَانَ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَدَّ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ عَلَى مِنْدِيلٍ وَوَضَعَ فِي كُمِّهِ فَسُرِقَتْ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رُفِعَ إلَيْهِ ذَهَبًا لِيَحْفَظَهُ فَأَلْقَاهُ فِي فَمِهِ كَعَادَةِ التُّجَّارِ فَسَبَقَ إلَى حَلْقِهِ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، فَقَالَ: قَدْ جَعَلْتُهَا فِي الْكُمِّ فَضَاعَتْ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
مُودَعٌ جَعَلَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ فِي جَيْبِهِ وَحَضَرَ مَجْلِسَ فِسْقٍ فَضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ بِسَرِقَةٍ أَوْ سُقُوطٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَهُوَ جَيْبُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا إذَا لَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ، أَمَّا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُ مَالِهِ يَصِيرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْحِفْظِ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ مُضَيِّعًا أَوْ مُودِعًا غَيْرَهُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ، فَإِذَا هِيَ لَمْ تَدْخُلْ الْجَيْبَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ وَضَعَهَا فِي كِيسِهِ أَوْ شَدَّهَا عَلَى التِّكَّةِ فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
الْمُودَعُ إذَا جَعَلَ خَاتَمَ الْوَدِيعَةِ فِي الْخِنْصَرِ أَوْ فِي الْبِنْصِرِ يَضْمَنُ بَعْدَ التَّلَفِ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْوُسْطَى أَوْ السَّبَّابَةِ أَوْ الْإِبْهَامِ لَا يَضْمَنُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَإِنْ تَخَتَّمَ بِهِ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ فِي ذَلِكَ الْأُصْبُعِ لَا يَضْمَنُ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا أَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: إذَا تَخَتَّمَ وَجَعَلَ الْفَصَّ مِمَّا يَلِي الْكَفَّ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُودَعُ امْرَأَةً فَفِي أَيِّ أُصْبُعِ لَبِسْتُهُ تَضْمَنُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ امْرَأَةٌ أُودِعَتْ صَبِيَّةً مِنْ بَنَاتِ سَنَةٍ فَاشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ فَوَقَعَتْ الصَّبِيَّةُ فِي الْمَاءِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا، فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْغَصْبِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَفِي الْجَوَابِ نَوْعُ نَظَرٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ تَغِبْ عَنْ بَصَرِهَا فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ غَابَتْ عَنْ بَصَرِهَا فَهِيَ ضَامِنَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَمَنْ أَوْدَعَ صَبِيًّا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ فِي يَدَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ قَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ قَبِلَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَضْمَنُ فِي الْحَالِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَانَ أَرْشُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ إنْ بَلَغَ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ دُونَهَا كَانَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَيْضًا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنْ أَوْدَعَ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ.
وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ الْعَبْدِ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ عِنْدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا إنْ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا أَوْ قَبَضَهَا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ضَمِنَهَا إجْمَاعًا وَتَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا وَقَبَضَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ لَمْ يَضْمَنْهَا فِي الْحَالِ وَيَضْمَنُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَضْمَنُهَا فِي الْحَالِ وَيُبَاعُ فِيهَا، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا قُتِلَ الْعَبْدُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
الْوَدِيعَةُ لَوْ كَانَتْ عَبْدًا فَجَنَى عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُخَيَّرُ مَوْلَاهُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَيَضْمَنُ لِلْحَالِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ إلَّا أَنَّهُمَا إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ سَعَيَا فِي ذَلِكَ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ أَوْدَعَ رَجُلًا شَيْئًا فَاسْتَهْلَكَهُ ابْنٌ لَهُ صَغِيرٌ أَوْ عَبْدٌ لَهُ فَعَلَى الْمُسْتَهْلِكِ ضَمَانُهُ فِي الْحَالِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَالْمُكَاتَبُ يَضْمَنُ فِي الْحَالِ بِاسْتِهْلَاكِ الْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ.
وَإِنْ نَامَ الْمُودَعُ وَجَعَلَ الْوَدِيعَةَ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ تَحْتَ جَنْبِهِ فَضَاعَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، قَالُوا: إنَّمَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي إذَا نَامَ قَاعِدًا أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْحَضَرِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي السَّفَرِ فَلَا ضَمَانَ نَامَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ جَعَلَ ثِيَابَ الْوَدِيعَةِ عَلَى دَابَّتِهِ فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَوَضَعَ الثِّيَابَ تَحْتَ جَنْبِهِ وَنَامَ عَلَيْهَا فَسُرِقَتْ الثِّيَابُ، قَالَ: إنْ أَرَادَ بِهِ التَّرَفُّقَ ضَمِنَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْحِفْظَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الثِّيَابِ كِيسٌ فِيهِ دَرَاهِمُ لَمْ يَضْمَنْ، كَذَا فِي الْحَاوِي لِلْفَتَاوَى.
وَفِي شَرْحِ أَبِي ذَرٍّ وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِ الْمُودَعِ فَتَرَكَهَا مَعَ إمْكَانِ الدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ إلَى مَكَانٍ آخَرَ حَتَّى احْتَرَقَتْ يَضْمَنُ، كَذَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
وَإِنْ سُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ عِنْدَ الْمُودَعِ وَلَمْ يُسْرَقْ مَعَهَا مَالٌ آخَرُ لِلْمُودَعِ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَنَا، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَرَفَعَهَا رَجُلٌ فَلَمْ يَمْنَعْهُ الْمُودَعُ إنْ أَمْكَنَهُ مَنْعُهُ وَدَفْعُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِمَا أَنَّهُ يَخَافُ دَعَارَتَهُ وَضَرْبَهُ فَلَا ضَمَانَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الْمُودَعُ إذَا دَلَّ إنْسَانًا عَلَى أَخْذِ الْوَدِيعَةِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ الْمَدْلُولَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَخْذِ حَالَةَ الْأَخْذِ، أَمَّا إذَا مَنَعَهُ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَالْمُودَعُ إذَا فَتَحَ بَابَ الْإِصْطَبْلِ أَوْ حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
سُئِلَ عَنْ مُودَعِ وَضَعَ الْوَدِيعَةَ فِي حُجْرَتِهِ فِي خَانْ وَفِيهِ صَحْنٌ لِأَقْوَامٍ فَرَبَطَ سِلْسِلَةَ بَابِهَا بِحَبْلِهَا وَلَمْ يَقْفِلْهُ وَلَمْ يُغْلِقْهُ وَخَرَجَ فَسُرِقَتْ الْوَدِيعَةُ هَلْ يَضْمَنُ، قَالَ إنْ عُدَّ شَدُّ هَذَا الرَّبْطِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ تَوْثِيقًا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ عُدَّ إغْفَالًا ضَمِنَ، كَذَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ.
رَجُلٌ وَضَعَ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً وَوَضَعَهَا الْمُودَعُ فِي حَانُوتِهِ وَذَهَبَ إلَى الْجُمُعَةِ وَتَرَكَ بَابَ الْحَانُوتِ مَفْتُوحًا وَأَجْلَسَ صَبِيًّا صَغِيرًا لِيَحْفَظَ حَانُوتَهُ وَذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ الْحَانُوتِ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنْ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَضْبِطُ الْأَشْيَاءَ وَيَحْفَظُهَا لَمْ يَضْمَنْ الْمُودَعُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَضْبِطُ ضَمِنَ، قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَدِيعَةَ فِي حِرْزِهِ فَلَمْ يُضَيِّعْ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
غَابَ الْمُودَعُ وَتَرَكَ مِفْتَاحَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَلَمَّا رَجَعَ لَمْ يَجِدْ الْوَدِيعَةَ فِي مَكَانِهِ لَا يَضْمَنُ لِدَفْعِ الْمِفْتَاحِ إلَى غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
رَجُلٌ أَوْدَعَ عِنْدَ فَامِيٍّ ثِيَابًا فَوَضَعَهَا الْفَامِيُّ فِي حَانُوتِهِ وَكَانَ السُّلْطَانُ يَأْخُذُ النَّاسَ بِمَالٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ جَعَلَهُ وَظِيفَةً عَلَيْهِمْ فَأَخَذَ السُّلْطَانُ ثِيَابَ الْوَدِيعَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَظِيفَةِ وَرَهَنَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ فَسُرِقَتْ، قَالُوا: إنْ كَانَ الْفَامِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِ السُّلْطَانِ مِنْ رَفْعِهَا لَا يَضْمَنُ وَيَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ فَيُخَيَّرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ السُّلْطَانَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
أَوْدَعَ عَامِلُ الْوَالِي مَالًا فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ فِي أَيَّامِ السُّلْطَانِ نَقَلَ أَمْتِعَتَهُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ وَتَوَارَى فَأُغِيرَ عَلَى بَيْتِهِ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ، وَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ أَمْتِعَتِهِ فِي بَيْتِهِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَسُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ عَمَّنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةُ إنْسَانٍ وَهِيَ ثِيَابٌ مَلْفُوفَةٌ فِي لِفَافٍ فَوَضَعَهَا تَحْتَ رَأْسِ ضَيْفٍ لَهُ فِي اللَّيْلِ كَالْوِسَادَةِ ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا، فَقَالَ صَاحِبُهَا: كَانَتْ كَذَا، وَكَذَا ثَوْبًا وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهَا، قَالَ: مَا لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ ضَاعَ مِنْهَا كَذَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِوَضْعِهَا تَحْتَ رَأْسِ الضَّيْفِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ تَحْتَ رَأْسِ الضَّيْفِ مَا دَامَ الْمُودَعُ حَاضِرٌ، فَإِذَا غَابَ الْآنَ يَصِيرُ ضَامِنًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلٍ زِنْبِيلًا فِيهِ آلَاتُ النَّجَّارِينَ ثُمَّ جَاءَ وَاسْتَرَدَّهُ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ فِيهِ قَدُومٌ قَدْ ذَهَبَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُودَعُ: قَبَضْتُ مِنْكَ الزِّنْبِيلَ وَلَا أَدْرِي مَا فِيهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَكَذَا إذَا أَوْدَعَ دَرَاهِمَ فِي كِيسٍ وَلَمْ يَزْنِ عَلَى الْمُودَعِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْفِعْلَ وَهُوَ التَّضْيِيعُ أَوْ الْخِيَانَةُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
الْمُودَعُ إذَا أَخَذَ وَدِيعَةَ رَجُلٍ آخَرَ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ وَتَرَكَ وَدِيعَتَهُ يَضْمَنُ الْمُودَعُ إنْ عَايَنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا أَنَّ مَا قَبَضَهُ حَقُّهُ أَمْ حَقُّ الْغَيْرِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
امْرَأَةٌ غَسَلَتْ ثَوْبَ رَجُلٍ بِالْأَجْرِ وَعَلَّقَتْهُ عَلَى خُصِّ سَطْحِهَا لِلتَّجْفِيفِ وَطَرَفٌ مِنْ الثَّوْبِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَضَاعَ ضَمِنَتْ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
امْرَأَةٌ غَسَلَتْ ثِيَابَ النَّاسِ وَوَضَعَتْ الثِّيَابَ عَلَى سَطْحِهَا لِتَجِفَّ إنْ كَانَ لِلسَّطْحِ خُصٌّ لَا تَضْمَنُ، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْخُصُّ مُرْتَفِعًا تَضْمَنُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
رَجُلٌ فِي يَدِهِ مَالٌ لِإِنْسَانٍ، فَقَالَ لَهُ سُلْطَانٌ جَائِرٌ: إنْ لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ هَذَا الْمَالَ حَبَسْتُكَ شَهْرًا، أَوْ ضَرَبْتُكَ ضَرْبًا، أَوْ أَطُوفُ بِكَ فِي النَّاسِ، لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ، فَإِنْ دَفَعَ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَالَ: أَقْطَعُ يَدَكَ أَوْ أَضْرِبُكَ خَمْسِينَ سَوْطًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
سُلْطَانٌ هَدَّدَ الْمُودَعُ بِإِتْلَافِهِ مَالَهُ، إنْ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ الْوَدِيعَةَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ضَمِنَ إنْ بَقِيَ لَهُ قَدْرُ الْكِفَايَةِ، وَإِنْ أَخَذَ كُلَّ مَالِهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
الْمُودَعُ إذَا قَرَأَ مِنْ مُصْحَفِ الْوَدِيعَةِ وَهَلَكَ حَالَ الْقِرَاءَةِ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَلَوْ أَوْدَعَهُ قَرَاطِيسَ فَوَضَعَهَا فِي الصُّنْدُوقِ ثُمَّ وَضَعَ فَوْقَهُ مَاءً لِيَشْرَبَهُ فَتَقَاطَرَ الْمَاءُ عَلَيْهَا فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَلَوْ، قَالَ: ذَهَبَتْ الْوَدِيعَةُ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ، اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ، قَالَ: بِعْتُ الْوَدِيعَةَ وَقَبَضْتُ ثَمَنَهَا، لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَقُلْ: دَفَعْتُهَا إلَيْهِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ قَالَ لِلْمَالِكِ: وَهَبْتَ لِي الْوَدِيعَةَ أَوْ بِعْتَهَا مِنِّي، وَأَنْكَرَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ هَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
أَوْدَعَ طَسْتًا عِنْدَ غَيْرِهِ فَوَضَعَ الْمُودَعُ الطَّسْتَ عَلَى رَأْسِ التَّنُّورِ فِي بَيْتِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَانْكَسَرَ، إنْ كَانَ وَضَعَهُ عَلَى رَأْسِ التَّنُّورِ لَيُغَطِّيَ بِهِ التَّنُّورَ يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ كَمَا يُوضَعُ فِي الْعَادَةِ لَا لِأَجْلِ التَّغْطِيَةِ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلٍ طَبَقًا فَوَضَعَ الْمُودَعُ الطَّبَقَ عَلَى رَأْسِ الْحَبِّ فَضَاعَ إنْ كَانَ الْوَضْعُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَضْمَنُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُنْظَرُ: إنْ كَانَ فِي الْحَبِّ شَيْءٌ نَحْوُ الْمَاءِ وَالدَّقِيقِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُغَطَّى رَأْسُ الْحَبِّ لِأَجْلِهِ كَانَ اسْتِعْمَالًا، وَإِنْ كَانَ الْحَبُّ خَالِيًا أَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لَا يُغَطَّى رَأْسُ الْحَبِّ لِأَجْلِهِ لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ شَيْءٌ فَأَفْسَدَ الْوَدِيعَةَ ضَمِنَهَا الْمُودَعُ، وَالْمُودَعُ إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ قَرْضًا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُحَرِّكَهَا الْمُودَعُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
الْوَدِيعَةُ إذَا كَانَتْ قِرَامًا فَأَخَذَهَا الْمُودَعُ وَصَعِدَ بِهَا السَّطْحَ وَتَسَتَّرَ بِهَا فَهَبَّتْ بِهَا الرِّيحُ وَأَعَادَتْهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ مِنْ الْبَيْتِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى تَرْكِ التَّعَدِّي، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَضَعَ أَمَانَةً، فَقَالَ (أَمَانَّتْ مِنْ بدست هركه خواهى بفرست) فَبَعَثَ عَلَى يَدِ أَمِينٍ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ، قَالَ: يَضْمَنُ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ (بدست هركه خواهي) مَعْلُومٌ وَالْأَمْرُ عَامٌّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ ابْعَثْ عَلَى يَدِ رَجُلٍ هُنَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فَلَا يَصِحُّ الْأَمْرُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ طَحَّانٌ خَرَجَ مِنْ الطَّاحُونَةِ لِيَنْظُرَ الْمَاءَ فَسُرِقَتْ الْحِنْطَةُ إنْ تَرَكَ الْبَابَ مَفْتُوحًا وَبَعُدَ مِنْ الطَّاحُونَةِ ضَمِنَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَانِ وَهِيَ خَانٌ فِيهَا مَنَازِلُ وَلِكُلِّ مَنْزِلٍ مِقْفَلٌ فَخَرَجَ وَتَرَكَ الْبَابَ مَفْتُوحًا فَجَاءَ سَارِقٌ وَأَخَذَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
الدَّابَّةُ الْوَدِيعَةُ إذَا أَصَابَهَا مَرَضٌ أَوْ جُرْحٌ فَأَمَرَ الْمُودَعُ إنْسَانًا بِعِلَاجِهَا فَعَطِبَتْ فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُودَعَ أَوْ الْمُعَالِجَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُودَعُ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُعَالِجَ إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ أَوْ ظَنَّهَا لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ إنْ كَانَ بَقَرُ الْمَالِكِ فِي يَدِ الْأَكَّارِ فَبَعَثَ إلَى الرَّاعِي لِلسَّرْحِ فَضَاعَ لَا يَضْمَنُ هُوَ وَلَا الرَّاعِي، وَالْبَقَرُ الْمُسْتَعَارُ وَالْمُسْتَأْجَرُ عَلَى هَذَا، قَالَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَاتُ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُفْتَى بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ كَمَا يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ وَهُوَ يَحْفَظُ بَقَرَهُ فِي السَّرْحِ فَكَذَا بَقَرُ الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ تَرَكَ الْبَقَرَ يَرْعَى فَضَاعَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
فِي كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي الضَّمَانِ.
أَوْدَعَ شَاةً فَدَفَعَهَا مَعَ غَنَمِهِ إلَى الرَّاعِي لِلْحِفْظِ فَسُرِقَتْ الْغَنَمُ يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّاعِي خَاصًّا لِلْمُودَعِ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
رَجُلٌ دَفَعَ حِمَارًا إلَى آخَرَ فَغَابَ الْحِمَارُ، فَقَالَ الْمُودَعُ لِصَاحِبِ الْحِمَارِ: خُذْ حِمَارِي وَانْتَفِعْ بِهِ حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْكَ حِمَارَكَ فَضَاعَ فِي يَدِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُودَعَ رَدَّ حِمَارَهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِالْقَبْضِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
الْمُودَعُ إذَا جَزَّ الثِّمَارَ مِنْ نَخِيلِ الْوَدِيعَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا إذَا جَزَّهُ كَمَا يَجُزُّهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ نَقْصٌ مِنْ عَمَلِهِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ نَقْصٌ مِنْ عَمَلِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ كَانَتْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا أَوْ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ أَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ فَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ زَالَ الضَّمَانُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرُّكُوبُ وَالِاسْتِخْدَامُ وَاللُّبْسُ لَمْ يَنْقُصْهَا، أَمَّا إذَا نَقَصَهَا ضَمِنَ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقُ إنَّمَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إذَا صَدَّقَهُ الْمَالِكُ فِي الْعَوْدِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ.
وَرَأَيْتُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْمُودَعُ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَكَذَّبَهُ الْمُودِعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَلَوْ حَمَلَ الْفَحْلُ عَلَى الْوَدِيعَةِ فَنَتَجَتْ ثُمَّ هَلَكَتْ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ وَالْوَلَدُ لِلْمَالِكِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
الْمُودَعُ إذَا لَبِسَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ يَوْمًا فَنَزَعَ نَاوِيًا لُبْسَهُ ثَانِيًا فَتَلِفَ الثَّوْبُ فِي خِلَالِهِ يَضْمَنُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
لَبِسَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ فَدَخَلَ الْمَشْرَعَةَ لِيَخُوضَ الْمَاءَ فَنَزَعَ الثَّوْبَ وَوَضَعَهُ عَلَى أَلْوَاحِ الْمَشْرَعَةِ فَلَمَّا انْغَمَسَ سُرِقَ الثَّوْبُ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَقِيلَ: فِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا لَبِسَ الْمَخِيطَ ثُمَّ نَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ ثَانِيًا إنْ نَزَعَهُ عَلَى قَصْدِ اللُّبْسِ يَتَّحِدُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ نَزَعَهُ لَا عَلَى هَذَا الْقَصْدِ يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْرَأَ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَضَعَ ثِيَابَهَا مَعَ ثِيَابِهِ فِي ضِفَّةِ النَّهْرِ وَدَخَلَ لِلِاغْتِسَالِ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَنَسِيَ الْوَدِيعَةَ أَوْ سُرِقَتْ حِينَ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ يَضْمَنُ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ وَدَفَعَهَا ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا بِهِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ وَرَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا فَضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَضَاهَا غَرِيمُهُ بِأَمْرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا فَرَدَّهَا عَلَى الْمُودَعِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
إذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ وَأَنْفَقَ شَيْئًا مِنْهَا فِي حَاجَتِهِ حَتَّى صَارَ ضَامِنًا لِمَا أَنْفَقَ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِمَا بَقِيَ، وَإِنْ جَاءَ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ فَخَلَطَ بِالْبَاقِي صَارَ ضَامِنًا لِلْكُلِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَى مَالِهِ عَلَامَةً حِينَ خَلَطَهُ بِمَالِ الْوَدِيعَةِ أَمَّا إذَا جَعَلَ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى التَّمْيِيزُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مَا يُنْفِقُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
فَإِنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لَهَا كُلِّهَا فَبَاعَ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ جَاءَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ فَضَمَّنَهُ إيَّاهَا وَفِي ثَمَنِهِ فَضْلٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ حِصَّةُ مَا خَلَطَهُ بِهَا وَيَتَصَدَّقُ بِحِصَّةِ الْبَاقِي مِنْ الْوَدِيعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ شَيْئًا يُبَاع، فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِهَا، يُنْظَرُ: إنْ اشْتَرَى بِهَا بِعَيْنِهَا وَنَقَدَهَا لَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا، وَإِنْ اشْتَرَى بِهَا وَنَقَدَ غَيْرَهَا أَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِم مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَهَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ هُنَا، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى بِهَا مَأْكُولًا وَنَقَدَهَا لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَأْكُلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
فَإِنْ أَخَذَ بَعْضَهَا عَلَى نِيَّةِ الْإِنْفَاقِ وَلَمْ يُنْفِقْهُ حَتَّى خَلَطَهُ بِالْبَاقِي ثُمَّ هَلَكَ كُلُّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
إذَا أَوْدَعَهُ كِيسًا مَشْدُودًا فَحَلَّهُ الْمُسْتَوْدَعُ أَوْ صُنْدُوقًا مُقْفَلًا فَفَتَحَ الْقُفْلَ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى ضَاعَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا أَخْرَجَ الْوَدِيعَةَ لِيُنْفِقَهَا وَالثَّوْبَ لِيَلْبَسَهُ فَهَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلشَّيْخِ أَبِي نَصْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيِّ.
الْمُودَعُ إذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَالِهِ أَوْ بِوَدِيعَةٍ أُخْرَى بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ ضَمِنَ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
(الْخَلْطُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ): أَحَدُهَا خَلْطٌ بِطَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ مَعَ تَيْسِيرِ التَّمْيِيزِ كَخَلْطِ الدَّرَاهِمِ الْبِيضِ مَعَ الدَّرَاهِمِ السُّودِ وَخَلْطِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهَذَا لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ هَلَكَ أَمَانَةً كَمَا هَلَكَ قَبْلَ الْخَلْطِ.
وَالثَّانِي خَلْطٌ بِطَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ مَعَ تَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَبِهَذَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَهُوَ الصَّحِيحُ، هَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
وَالثَّالِثُ خَلْطٌ بِطَرِيقِ الْمُمَازَجَةِ لِلْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ كَخَلْطِ الدُّهْنِ بِالْعَسَلِ، وَبِهَذَا أَيْضًا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَالرَّابِعُ خَلْطٌ بِطَرِيقِ الْمُمَازَجَةِ لِلْجِنْسِ بِالْجِنْسِ كَخَلْطِ دُهْنِ اللَّوْزِ بِدُهْنِ الْجَوْزِ أَوْ لَا بِطَرِيقِ الْمُمَازَجَةِ كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْبِيضِ بِالدَّرَاهِمِ الْبِيضِ، وَبِهَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِتَعَذُّرِ إيصَالِ عَيْنِ حَقِّهِ إلَيْهِ، وَقَالَ: هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَهُ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَبْرَأَ الْخَالِطُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَبْقَى لَهُ عَلَى الْمَخْلُوطِ سَبِيلٌ وَعِنْدَهُمَا بِالْإِبْرَاءِ يَنْقَطِعُ خِيَرَةُ الضَّمَانِ فَتَتَعَيَّنُ الشَّرِكَةُ فِي الْمَخْلُوطِ، وَهَذَا إذَا خَلَطَ الدَّرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَأَمَّا إذَا خَلَطَهَا بِإِذْنِهِ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَخْتَلِفُ بَلْ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِكُلِّ حَالٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ جَعَلَ الْأَقَلَّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُشَارِكُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كُلِّ مَائِعٍ خَلَطَهُ بِجِنْسِهِ يُعْتَبَرُ.
الْأَكْثَرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْمَالِكِ فِي الْكُلِّ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بِالشَّرِكَةِ فِي الْكُلِّ، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ خُلِطَتْ الْفِضَّةُ بَعْدَ الْإِذَابَةِ صَارَ مِنْ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَائِعٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْخَلْطِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ حِنْطَةٌ وَشَعِيرٌ لِوَاحِدٍ فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَهُمَا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَلَطَ الْوَدِيعَةَ أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ كَزَوْجَتِهِ وَابْنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ عَلَى الْخَالِطِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا سَبِيلَ لِلْمُودَعِ وَالْمُودِعِ عَلَى الْعَيْنِ إذَا خَلَطَهَا الْغَيْرُ وَيُضَمِّنَانِ الْخَالِطَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: إنْ شَاءَا ضَمَّنَا الْخَالِطَ، وَإِنْ شَاءَا أَخَذَا الْعَيْنَ وَكَانَا شَرِيكَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الْخَالِطُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَسَعُ الْخَالِطَ أَكْلُ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مِثْلَهَا إلَى أَرْبَابِهَا، وَإِنْ غَابَ الَّذِي خَلَطَهَا بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا أَحَدُهُمَا وَيَدْفَعَ قِيمَةَ مَالِ الْآخَرِ جَازَ، وَإِنْ أَبَيَا ذَلِكَ أَوْ أَبَى أَحَدُهُمَا، وَقَالَا: نَبِيعُ ذَلِكَ فَبَاعَاهَا ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَخْلُوطُ حِنْطَةً وَشَعِيرًا ضَرَبَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ بِقِيمَتِهَا حِنْطَةً مَخْلُوطَةً وَضَرَبَ صَاحِبُ الشَّعِيرِ بِقِيمَةِ شَعِيرِهِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَهُوَ شَرِيكٌ لِصَاحِبِهَا، فَإِنْ انْشَقَّ الْكِيسُ فِي صُنْدُوقِهِ، فَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِدَرَاهِمِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهِمَا جَمِيعًا، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ يُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ: هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً.
فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ أَحَدِهِمَا صِحَاحًا وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ مُكَسَّرَةً لَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُمَيِّزُ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَدْفَعُ إلَى الْمُودِعِ مَالَهُ وَيُمْسِكُ الْمُودَعُ مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ صِحَاحًا جِيَادًا وَفِيهَا بَعْضُ الرَّدِيءِ وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ صِحَاحًا رَدِيئًا وَفِيهَا بَعْضُ الْجِيَادِ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمَالَيْنِ، ثُمَّ كَيْفَ يَقْتَسِمَانِ؟ إنْ تَصَادَقَا أَنَّ ثُلُثَيْ مَالِ أَحَدِهِمَا جِيَادٌ وَثُلُثَهُ رَدِيءٌ وَثُلُثَيْ مَالِ الْآخَرِ رَدِيءٌ وَثُلُثُهُ جَيِّدٌ يَقْتَسِمَانِ الْجِيَادَ مِنْ الْمَالِ الْمُخْتَلَطِ أَثْلَاثًا وَالرَّدِيءَ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَصَادَقَا: إنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
أَنَّ ثُلُثَيْ مَالِهِ جِيَادٌ وَثُلُثَهُ رَدِيءٌ وَمَالُ صَاحِبِهِ ثُلُثَاهُ رَدِيءٌ وَثُلُثُهُ جَيِّدٌ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْجِيَادِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الْجِيَادِ فَيَأْخُذَانِ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَا فِي الثُّلُثِ الْآخَرِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ وَذَلِكَ الثُّلُثُ فِي أَيْدِيهِمَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ هَذَا الثُّلُثِ وَهُوَ سُدُسُ الْكُلِّ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا فِي يَدِهِ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ حَلَفَا بَرِئَا عَنْ الدَّعْوَى وَتُرِكَ الْمَالُ فِي أَيْدِيهِمَا كَمَا كَانَ.
وَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الثُّلُثِ وَهُوَ سُدُسُ الْكُلِّ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتْ لَهُمَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ بَرِئَ الْحَالِفُ وَيَرُدُّ النَّاكِلُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَهُوَ سُدُسُ الْكُلِّ الَّذِي فِي يَدِهِ إلَى صَاحِبِهِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَخْلُوطَانِ أَحَدُهُمَا حِنْطَةٌ وَالْآخَرُ شَعِيرٌ فَإِنَّ لَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ يُقَوَّمُ الْمَخْلُوطُ وَضَرَبَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ بِقِيمَةِ الْحِنْطَةِ مَخْلُوطًا بِالشَّعِيرِ وَضَرَبَ صَاحِبُ الشَّعِيرِ بِقِيمَةِ الشَّعِيرِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالْحِنْطَةِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.